كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجاء في بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام ضم إلى أهل الكساء علي. وفاطمة. والحسنين رضي الله تعالى عنهم بقية بناته وأقاربه وأزواجه وصح عن أم سلمة في بعض آخر أنها قالت، فقلت يا رسول الله أما أنا من أهل البيت؟ فقال: بلى إن شاء الله تعالى، وفي بعض آخر أيضًا أنها قالت له صلى الله عليه وسلم؟ ألست من أهلك قال: بلى وأنه عليه الصلاة والسلام أدخلها الكساء بعد ما قضى دعاءه لهم، وقد تكرر كما أشار إليه المحب الطبري منه صلى الله عليه وسلم الجمع وقول هؤلاء أهل بيتي والدعاء في بيت أم سلمة وبيت فاطمة رضي الله تعالى عنهما وغيرهما وبه جمع بين اختلاف الروايات في هيئة الاجتماع وما جلل صلى الله عليه وسلم به المجتمعين وما دعا به لهم، وما أجاب به أم سلمة وعدم إدخالها في بعض المرات تحت الكساء ليس لأنها ليست من أهل البيت أصلًا بل لظهور أنها منهم حيث كانت من الأزواج اللاتي يقتضي سياق الآية وسباقها دخولهن فيهم بخلاف من أدخلوا تحته رضي الله تعالى عنهم فإنه عليه الصلاة والسلام لو لم يدخلهم ويقل ما قال لتوهم عدم دخولهم في الآية لعدم اقتضاء سياقها وسباقها ذلك، وذكر ابن حجر على تقدير صحة بعض الروايات المختلفة الحمل على أن النزول كان مرتين، وقد أدخل صلى الله عليه وسلم بعض من لم يكن بينه وبينه قرابة سببية ولا نسبية في أهل البيت توسعًا وتشبيهًا كسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه حيث قال عليه الصلاة والسلام: «سلمان منا أهل البيت» وجاء في رواية صحيحة أن واثلة قال: وأنا من أهلك يا رسول الله؟ فقال: عليه الصلاة والسلام وأنت من أهلي فكان واثلة يقول: إنها لمن أرجى ما أرجو، والخبر الدال بظاهره على أن المراد بالبيت البيت النسبي أعني خبر الحكيم الترمذي ومن معه عن ابن عباس يجوز حمل البيت فيه على بيت المدر والحيوان ينقسم إلى رومي وزنجي مثلًا كما ينقسم الإنسان إليهما على أن في رواته من وثقه ابن معين وضعفه غيره والجرح مقدم على التعديل وما روي عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه من نفي كون أزواجه صلى الله عليه وسلم أهل بيته وكون أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده عليه الصلاة والسلام فالمراد بأهل البيت فيه أهل البيت الذين جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني الثقلين لا أهل البيت بالمعنى الأعم المراد في الآية، ويشهد لهذا ما في صحيح مسلم عن يزيد بن حبان قال: انطلقت أنا. وحصين بن سبرة. وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرًا كثيرًا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيرًا كثيرًا حدثنا يا زيد بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم فاقبلوا وما لا لا تكلفونيه ثم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فينا خطيبًا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: «أما بعد ألا يا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثًا فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال: ومن هم قال هم آل علي وآل عقيل. وآل جعفر. وآل عباس»... الحديث.
فإن الاستدراك بعد جعله النساء من أهل بيته صلى الله عليه وسلم ظاهر في أن الغرض بيان المراد بأهل البيت في الحديث الذي حدث به عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وهم فيه ثاني الثقلين فلأهل البيت إطلاقان يدخل في أحدهما النساء ولا يدخلن في الآخر وبهذا يحصل الجمع بين هذا الخبر والخبر السابق المتضمن نفيه رضي الله تعالى عنه كون النساء من أهل البيت.
وقال بعضهم: إن ظاهر تعليله نفي كون النساء أهل البيت بقوله: أيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها يقتضي أن لا يكن من أهل البيت مطلقًا فلعله أراد بقوله في الخبر السابق نساؤه من أهل بيته أنساؤه الخ بهمزة الاستفهام الإنكاري فيكون بمعنى ليس نساؤه من أهل بيته كما في معظم الروايات في غير صحيح مسلم ويكون رضي الله تعالى عنه ممن يرى أن نساءه عليه الصلاة والسلام لسن من أهل البيت أصلًا ولا يلزمنا أن ندين الله تعالى برأيه لاسيما وظاهر الآية معنا وكذا العرف وحينئذٍ يجوز أن يكون أهل البيت الذين هم أحد الثقلين بالمعنى الشامل للأزواج وغيرهن من أصله وعصبته صلى الله عليه وسلم الذين حرموا الصدقة بعده ولا يضر في ذلك عدم استمرار بقاء الأزواج كما استمر بقاء الآخرين مع الكتاب كما لا يخفى. اهـ.
وأنت تعلم أن ظاهر ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: «إني تارك فيكم خليفتين وفي رواية ثقلين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» يقتضي أن النساء المطهرات غير داخلات في أهل البيت الذين هم أحد الثقلين لأن عترة الرجل كما في الصحاح نسله ورهطه الأدنون، وأهل بيتي في الحديث الظاهر أنه بيان له أو بدل منه بدل كل من كل وعلى التقديرين يكون متحدًا معه فحيث لم تدخل النساء في الأول لم تدخل في الثاني. وفي النهاية أن عترة النبي صلى الله عليه وسلم بنو عبد المطلب.
وقيل أهل بيته الأقربون وهم أولاده وعلي وأولاده رضي الله تعالى عنهم، وقيل: عترته الأقربون والأبعدون منهم. اهـ.
والذي رجحه القرطبي أنهم من حرمت عليهم الزكاة، وفي كون الأزواج المطهرات كذلك خلاف قال ابن حجر: والقول بتحريم الزكاة عليهن ضعيف وإن حكى ابن عبد البر الإجماع عليه فتأمل، ولا يرد على حمل أهل البيت في الآية على المعنى الأعم ما أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزلت هذه الآية في خمسة في وفي علي وفاطمة وحسن وحسين {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا}» إذ لا دليل فيه على الحصر والعدد لا مفهوم له، ولعل الاقتصار على من ذكر صلوات الله تعالى وسلامه عليهم لأنهم أفضل من دخل في العموم وهذا على تقدير صحة الحديث والذي يغلب على ظني أنه غير صحيح إذ لم أعهد نحو هذا في الآيات منه صلى الله عليه وسلم في شيء من الأحاديث الصحيحة التي وقفت عليها في أسباب النزول، وبتفسير أهل البيت بمن له مزيد اختصاص به على الوجه الذي سمعت يندفع ما ذكره المشهدي من شموله للخدام والاماء والعبيد الذين يسكنون البيت فإنهم في معرض التبدل والتحول بانتقالهم من ملك إلى ملك بنحو الهبة والبيع وليس لهم قيام بمصالحه واهتمام بأمره وتدبير لشأنه إلا حيث يؤمرون بذلك، ونظمهم في سلك الأزواج ودعوى أن نسبة الجميع إلى البيت على حد واحد مما لا يرتضيه منصف ولا يقول به إلا متعسف.
وقال بعض المتأخرين: إن دخولهم في العموم مما لا بأس به عند أهل السنة لأن الآية عندهم لا تدل على العصمة ولا حجر على رحم الله عز وجل ولأجل عين ألف عين تكرم، وأما أمر الجمع والافراد فقد سمعت ما يتعلق به، والظاهر على هذا القول أن التعبير بضمير جمع المذكر في {عَنْكُمْ} للتغليب، وذكر أن في {عَنْكُمْ} عليه تغليبين أحدهما تغليب المذكر على المؤنث، وثانيهما تغليب المخاطب على الغائب إذ غير الأزواج المطهرات من أهل البيت لم يجر لهم ذكر فيما قبل ولم يخاطبوا بأمر أو نهي أو غيرهما فيه، وأمر التعليل عليه ظاهر وإن لم يكن كظهوره على القول بأن المراد بأهل البيت الأزواج المطهرات فقط.
واعتذر المشهدي عن وقوع جملة {أَنَّمَا يُرِيدُ الله} الخ في البين بأن مثله واقع في القرآن الكريم فقد قال تعالى شأنه: {قُلْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ} [النور: 4 5] ثم قال سبحانه بعد تمام الآية: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [النور: 56] فعطف أقيموا على أطيعوا مع وقوع الفصل الكثير بينهما، وفيه أنه وقع بعد {أَقِيمُواْ} الخ {الله وَأَطِيعُواْ الرسول} فلو كان العطف على ما ذكر لزم عطف أطيعوا على على أطيعوا وهو كما ترى.
سلمنا أن لا فساد في ذلك إلا أن مثل هذا الفصل ليس في محل النزاع فإنه فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالأجنبي من حيث الاعراب وهو لا ينافي البلاغة وما نحن فيه على ما ذهبوا إليه فصل بأجنبي باعتبار موارد الآيات اللاحقة والسابقة، وإنكار منافاته للبلاغة القرآنية مكابرة لا تخفى.
ومما يضحك منه الصبيان أنه قال بعد: إن بين الآيات مغايرة إنشائية وخبرية لأن آية التطهير جملة ندائية وخبرية وما قبلها وما بعدها من الأمر والنهي جمل إنشائية وعطف الإنشائية على الخبرية لا يجوز، ولعمري أنه أشبه كلام من حيث الغلط بقول بعض عوام الأعجام: خسن وخسين دختران مغاوية {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} [النور: 0 4] ثم أن الشيعة استدلوا بالآية بعد قولهم: بتخصيص أهل البيت فيها بمن سمعت وجعل {لِيُذْهِبَ} مفعولًا به {ليريد} وتفسير الرجس بالذنوب على العصمة فذهبوا إلى أن عليًا وفاطمة والحسنين رضي الله تعالى عنهم معصومون من الذنوب عصمته صلى الله عليه وسلم منها وتعقبه بعض أجلة المتأخرين بأنه لو فرض تعين كل ما ذهبوا إليه لا تسلم دلالتها على العصمة بل لها دلالة على عدمها إذ لا يقال في حق من هو طاهر: إني أريد أن أطهره ضرورة امتناع تحصيل الحاصل، وغاية ما في الباب أن كون أولئك الأشخاص رضي الله تعالى عنهم محفوظين من الرجس والذنوب بعد تعلق الإرادة بإذهاب رجسهم يثبت بالآية ولكن هذا أيضًا على أصول أهل السنة لا على أصول الشيعة لأن وقوع مراده تعالى غير لازم عندهم لإرادته عز وجل مطلقًا وبالجملة لو كانت إفادة معنى العصمة مقصودة لقيل هكذا إن الله أذهب عنكم الرجس أهل البيت وطهركم تطهيرًا وأيضًا لو كانت مفيدة للعصمة ينبغى أن يكون الصحابة لاسيما الحاضرين في غزوة بدر قاطبة معصومين لقوله تعالى فيهم: {ولكن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6] بل لعل هذا أفيد لما فيه من قوله سبحانه: {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} فإن وقوع هذا الاتمام لا يتصور بدون الحفظ عن المعاصي وشر الشيطان. اهـ.
وقرر الطبرسي وجه الاستدلال بها على العصمة بأن {إِنَّمَا} لفظة محققة لما أثبت بعدها نافية لما لم يثبت فإذا قيل: إنما لك عندي درهم أفاد أنه ليس للمخاطب عنده سوى درهم فتفيد الآية تحقق الإرادة ونفي غيرها، والإرادة لا تخلو من أن تكون هي الإرادة المحضة أو الإرادة التي يتبعها التطهير وإذهاب الرجس لا يجوز أن تكون الإرادة المحضة لأنه سبحانه وتعالى قد أراد من كل مكلف ذلك بالإرادة المحضة فلا اختصاص لها بأهل البيت دون سائر المكلفين ولأن هذا القول يقتضي المدح والتعظيم لهم بلا ريب ولا مدح في الإرادة المجردة فتعين إرادة الإرادة بالمعنى الثاني، وقد علم أن من عدا أهل الكساء غير مراد فتختص العصمة بهم. اهـ.
وهو كما ترى، على أنه قد ورد في كتب الشيعة ما يدل على عدم عصمة الأمر كرم الله تعالى وجهه وهو أفضل من ضمه الكساء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي نهج البلاغة أنه كرم الله تعالى وجهه قال لأصحابه: لا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست بفوق أن أخطىء ولا آمن من ذلك في فعلى إلا أن يلقى الله تعالى في نفسي ما هو أملك به مني.
وفيه أيضًا كان كرم الله تعالى وجهه يقول في دعائه: اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك وخالفه قلبي، وقصد التعليم كما في بعض الأدعية النبوية بعيد كذا قيل فتدبر ولا تغفل، وفسر بعض أهل السنة الإرادة هاهنا بالمحبة قالوا: لأنه لو أريد بها الإرادة التي يتحقق عندها الفعل لكان كل من أهل البيت إلى يوم القيامة محفوظًا من كل ذنب والمشاهد خلافه، والتخصيص بأهل الكساء وسائر الأئمة الأثنى عشر كما ذهب إليه الإمامية المدعون عصمتهم مما لا يقوم عليه دليل عندنا، والمدح جاء من جهة الاعتناء بشأنهم وإفادتهم محبة الله تعالى لهم هذا الأمر الجليل الشأن ومخاطبته سبحانه إياهم بذلك وجعله قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة.
وقد يستدل على كون الإرادة هاهنا بالمعنى المذكور دون المعنى المشهور الذي يتحقق عنده الفعل بأنه صلى الله عليه وسلم قال حين أدخل عليًا وفاطمة والحسنين رضي الله تعالى عنهم تحت الكساء «اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا» فإنه أي حاجة للدعاء لو كان ذلك مرادًا بالإرادة بالمعنى المشهور وهل هو إلا دعاء بحصول واجب الحصول.
واستدل بهذا بعضهم على عدم نزول الآية في حقهم وإنما ادخلهم صلى الله عليه وسلم في أهل البيت المذكور في الآية بدعائه الشريف عليه الصلاة والسلام ولا يخلو جميع ما ذكر عن بحث، والذي يظهر لي أن المراد بأهل البيت من لهم مزيد علاقة به صلى الله عليه وسلم ونسبة قوية قريبة إليه عليه الصلاة والسلام بحيث لا يقبح عرفا اجتماعهم وسكناهم معه صلى الله عليه وسلم في بيت واحد ويدخل في ذلك أزواجه والأربعة أهل الكساء وعلي كرم الله تعالى وجهه مع ماله من القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نشأ في بيته وحجره عليه الصلاة والسلام فلم يفارقه وعامله كولده صغيرًا وصاهره وآخاه كبيرًا، والإرادة على معناها الحقيقي المستتبع للفعل، والآية لا تقوم دليلًا على عصمة أهل بيته صلى الله تعالى عليه وعليهم وسلم الموجودين حين نزولها وغيرهم ولا على حفظهم من الذنوب على ما يقوله أهل السنة لا لاحتمال أن يكون المراد توجيه الأمر والنهي أو نحوه لاذهاب الرجس والتطهير بأن يجعل المفعول به {ليريد} محذوفًا ويجعل {لِيُذْهِبَ} في موضع المفعول له وإن لم يكن فيه بأس وذهب إليه من ذهب بل لأن المعنى حسبما ينساق إليه الذهب ويقتضيه وقوع الجملة موقع التعليل للنهي والأمر نهاكم الله تعالى وأمركم لأنه عز وجل يريد بنهيكم وأمركم إذهاب الرجس عنكم وتطهيركم وفي ذلك غاية المصلحة لكم ولا يريد بذلك امتحانكم وتكليفكم بلا منفعة تعود إليكم وهو على معنى الشرط أي يريد بنهيكم وأمركم ليذهب عنكم الرجس ويطهركم أن انتهيتم وائتمرتم ضرورة أن أسلوب الآية نحو أسلوب قول القائل لجماعة علم أنهم إذا شربوا الماء أذهب عنهم عطشهم لا محالة يريد الله سبحانه بالماء ليذهب عنكم العطش فإنه على معنى يريد سبحانه بالماء اذهاب العطش عنكم إن شربتوه فيكون المراد إذهاب العطش بشرط شرب المخاطبين الماء لا الإذهاب مطلقًا.
فمفاد التركيب في المثال تحقق إذهاب العطش بعد الشرب وفيما نحن فيه إذهاب الرجس والتطهير بعد الانتهاء والائتمار لأن المراد الإذهاب المذكور بشرطهما فهو متحقق الوقوع بعد محقق الشرط وتحققه غير معلوم إذ هو أمر اختياري وليس متعلق الإرادة، والمراد بالرجس الذنب وبإذهابه إزالة مباديه بتهذيب النفس وجعل قواها كالقوة الشهوانية والقوة الغضبية بحيث لا ينشأ عنها ما ينشأ من الذنوب كالزنا وقتل النفس التي حرم الله تعالى وغيرهما لا إزالة نفس الذنب بعد تحققه في الخارج وصدوره من الشخص إذ هو غير معقول إلا على معنى محوه من صحائف الأعمال وعدم المؤاخذة عليه وإرادة ذلك كما ترى.
وكأن مآل الإذهاب التخلية ومآل التطهير التحلية بالحاء المهملة، والآية متضمنة الوعد منه عز وجل لأهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم بأنهم أن ينتهوا عما ينهى عنه ويأتمروا بما يأمرهم به بذهب عنهم لا محال مبادي ما يستهجن ويحليهم أجل تحلية بما يستحسن، وفيه إيماء إلى قبول أعمالهم وترتب الآثار الجملية عليها قطعًا ويكون هذا خصوصية لهم ومزية على من عداهم من حيث أن أولئك الأغيار إذا انتهوا وائتمروا لا يقطع لهم بحصول ذلك.
ولذا نجد عباد أهل البيت أتم حالًا من سائر العباد المشاركين لهم في العبادة الظاهرة وأحسن اخلاقًا وأزكى نفسًا وإليهم تنتهي سلاسل الطرائق التي مبناها كما لا يخفى على سالكيها التخلية والتحلية اللتان هما جناحان للطيران إلى حظائر القدس والوقوف على أوكار الإنس حتى ذهب قوم إلى أن القطب في كل عصر لا يكون إلا منهم خلافًا للأستاذ أبي العباس المرسي حيث ذهب كما نقل عنه تلميذه التاج بن عطاء الله إلى أنه قد يكون من غيرهم، ورأيت في مكتوبات الإمام الفاروقي الرباني مجدد الألف الثاني قدس سره ما حاصله أن القطبية لم تكن على سبيل الإصال إلا لأئمة أهل البيت المشهورين ثم إنها صارت بعدهم لغيرهم على سبيل النيابة عنهم حتى انتهت النوبة إلى السيد الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره النوراني فنال مرتبة القطبية على سبيل الإصالة فلما عرج بروحه القدسية إلى أعلى عليين نال من نال بعده تلك الرتبة على سبيل النيابة عنه فإذا جاء المهدي ينالها إصالة كما نالها غيره من الأئمة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. اهـ.